الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وإن كانت على اعتبار المقام لله تعالى فهو بمعنى الشأن والعظمة.وإضافتُه كالإضافة إلى الفاعل، ويحتمل الوجهين قوله تعالى: {ذلك لمن خاف مقامي} في سورة إبراهيم (14) وقوله: {وأما من خاف مقام ربه} في سورة النازعات (40).وجملة {فبأي ألاء ربكما تكذبان} معترضة بين الموصوف والصفة وهي تكرير لنظائرها.وَذَواتا: تثنية ذات، والواو أصلية لأن أصل ذات: ذَوة، والألف التي بعد الواو إشباع للفتحة لازم للكلمة.وقيل: الألف أصلية وأن أصل (ذات): ذوات فخففت في الإِفراد وردّتها التثنية إلى أصلها وقد تقدم في قوله تعالى: {وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتى أكل خمط} في سورة سبأ (16).وأما الألف التي بعد التاء المثناة الفوقية فهي علامة رفع نائبة عن الضمة.والأفنان: جمع فَنَن بفتحتين، وهو الغصن.والمقصود هنا: أفنان عظيمة كثيرة الإِيراق والإِثمار بقرينة أنّ الأفنان لا تخلو عنها الجنات فلا يحتاج إلى ذكر الأفنان لولا قصد ما في التنكير من التعظيم.وتثنية {عينان} جار على نحو ما تقدم في تثنية {جنتان}، وكذلك تثنية ضميري {فيهما} وضمير {تجريان} تبع لتثنية مَعَادهما في اللفظ.فإن كان الجنتان اثنتين لكل من خَاف مقام ربه فلكل جنة منهما عين فهما عينان لكل من خاف مقام ربه، وإن كان الجنتان جنسين فالتثنية مستعملة في إرادة الجمع، أي عيون على عدد الجنات، وكذلك إذا كان المراد من تثنية {جنتان} الكثرة كما تثنيه {عينان} للكثرة.وفصل بين الأفنان وبين ذكر الفاكهة بذكر العينين مع أن الفاكهة بالأفنان أنسب، لأنه لما جرى ذكر الأفنان، وهي من جمال منظر الجنة أعقب بما هو من محاسن الجنات وهو عيون الماء جمعًا للنظيرين، ثم أعقب ذلك بما هو من جمال المنظر، أعني: الفواكه في أفنانها ومن ملذات الذوق.وأما تثنية زوجان فإن الزوج هنا النوع، وأنواع فواكه الجنة كثيرة وليس لكل فاكهة نوعان: فإمّا أن نجعل التثنية بمعنى الجمع ونجعل إيثار صيغة التثنية لمراعاة الفاصلة ولأجل المزاوجة مع نظائرها من قوله: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} إلى هنا.وإما أن نجعل تثنية {زوجان} لكون الفواكه بعضها يؤكل رطبًا وبعضها يؤكل يابسًا مثل الرطب والتمر والعنب والزبيب، وأخص الجوز واللوز وجافهما.و{من كل فاكهة} بيان ل {زوجان} مقدّم على المبيّن لرعي الفاصلة.وتخلل هذه الآيات الثلاث بآيات {فبأي ألاء ربكما تكذبان} جار على وجه الاعتراض وعلى أنه مجرد تكرير كما تقدم أولاها.{مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54)}.حال من {لمن خاف مقام ربه} وجيء بالحال صيغةَ جمع باعتبار معنى صاحب الحال وصلاحية لفظه للواحد والمتعدد، لا باعتبار وقوع صلته بصيغة الإِفراد فإن ذلك اعتبار بكون (مَن) مفردة اللفظ.والمعنى: أُعطوا الجنان واستقرُّوا بها واتكأوا على فرش.والاتكاء: افتعال من الوَكْءِ مهموز اللام وهو الاعتماد، فصار الاتكاء اسمًا لاعتمادِ الجالس ومرفقه إلى الأرض وجنبه إلى الأرض وهي هيئة بين الاضطجاع على الجنب والقعودِ، وتقدم في قوله: {وأعتدت لهن متكئًا} في سورة يوسف (31)، وتقدم أيضًا في سورة الصافات.وفُرش: جمع فراش ككتاب وكُتب.والفِراش أصله ما يفرش، أي يبسط على الأرض للنوم والاضطجاع.ثم أطلق الفراش على السرير المرتفع على الأرض بسُوققٍ لأنه يوضع عليه ما شأنه أن يفرش على الأرض تسمية باسم ما جعل فيه، ولذلك ورد ذكره في سورة الواقعة (15، 16) في قوله: {على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين} وفي سورة الصافات (44) على سرر متقابلين.والمعبر عنه في هذه الآيات واحد يدلّ على أن المراد بالفرش في هذه الآية السرر التي عليها الفرش.والاتكاء: جِلسة أهل الترف المخدومين لأنها جلسة راحة وعدم احتياج إلى النهوض للتناول نحوه وتقدم في سورة الكهف.والبطائن: جمع بِطانة بكسر الباء وهي مشتقة من البطن ضد الظهر من كل شيء، وهو هنا مجاز عن الأسفل.يقال للجهة السفلى: بطن، وللجهة العليا ظهر، فيقال: بَطَّنْت ثوبي بآخر إذا جعل تحت ثوبه آخرَ، فبطانة الثوب داخله وما لا يَبدو منه، وضد البطانة الظِّهارة بكسر الظاء، ومن كلامهم: أفرشني ظهر أمره وبطنه، أي علانيته وسِرّه، شبهت العلانية بظهر الفراش والسِرّ ببطن الفراش وهما الظِهارة والبطانة، ولذلك أتبع هذا التشبيه باستعارة فعل: أفرشني.فالبطانة: هي الثوب الذي يجعل على الفراش والظهارة: الثوب الذي يجعل فوق البطانة ليظهر لرؤية الداخل للبيت فتكون الظهارة أحسن من البطانة في الفراش الواحد.والعرب كانوا يجعلون الفراش حَشية، أي شيئًا محشوًا بصوف أو قطن أو ليف ليكون أوثر للجنب، قال عنترة يصف تنعم عَبلة:
فإذا وضعوا على الحشية ثوبًا أو خاطوها بثوب فهو البطانة، وإذا غطوا ذلك بثوب أحسن منه فهو الظِهارة.فالمعنى هنا: أن بطائن فرش الجنة من استبرق فلا تَسأل عن ظهائرها فإنها أجود من ذلك، ولا ثوب في الثياب المعروفة عند الناس في الدنيا أنفس من الاستبرق البطائن بالذكر كناية عن نفاسة وصف ظهائر الفرش.والاستبرق: صنف رفيع من الديباج الغليظ.والديباجُ: نسيج غليظ من حرير والاستبرق ينسج بخيوط الذهب.قال الفخر: وهو معرب عن الفارسية عن كلمة (سْتبرك) بكاف في آخره علامة تصغير (ستبر) بمعنى ثخين، وقد تقدم في سورة الكهف (31)، فأبدلوا الكاف قافًا خشية اشتباه الكاف بكاف الخطاب، والذي في القاموس: الإِستبرق: الديباج الغليظ معرب (اسْتَرْوَه)، وقد تبين أن الإِستبرق: صنف من الديباج، والديباج: ثوب منسوج من الحرير منقوش وهو أجود أنواع الثياب.ومن {جنى الجنتين}: ما يجنى من ثمارهما، وهو بفتح الجيم ما يقطف من الثمر.والمعنى: أن ثمر الجنة دانٍ منهم وهم على فرشهم فمتى شاءوا اقتطفوا منه.{فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55)}.هو مثل نظائره. اهـ.
|